فصل: الرابع: العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


وقد أنكر قوم من الزائغين كون الملائكة أجسامًا، وقالوا إنهم عبارة عن قوى الخير الكامنة في المخلوقات، وهذا تكذيب لكتاب الله تعالى، وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإجماع المسلمين‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏ ‏[‏سورة فاطر، الآية‏:‏ 1‏]‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏{‏وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ‏}‏ ‏[‏سورة الأنفال، الآية‏:‏ 50‏]‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏{‏وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الأنعام، الآية‏:‏ 93‏]‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏{‏وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ‏}‏ ‏[‏سورة سبأ، الآية‏:‏ 23‏]‏‏.‏

وقال في أهل الجنة‏:‏ ‏{‏وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ‏}‏ ‏[‏سورة الرعد، الآيتان‏:‏ 23-24‏]‏‏.‏

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء،، إن الله يحب فلانأ فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض‏)‏‏.‏ ‏[‏أخرجه البخاري ، كتاب بدء الخلق، باب ‏:‏ ذكر الملائكة ‏.‏ ومسلم ، كتاب البر والصلة ، باب‏:‏ إذا أحب الله عبداً حببه إلى عباده‏.‏‏]‏‏]‏‏.‏ ‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏ والإيمان بالله تعالى على ما وصفنا يثمر للمؤمنين ثمرات جليلة منها‏:‏

الأولى‏:‏ تحقيق توحيد الله تعالى بحيث لا يتعلق بغيره رجاء، ولا خوفًا، ولا يعبد غيره‏.‏

الثانية‏:‏ كمال محبة الله تعالى، وتعظيمه بمقتضى أسمائه الحسنى وصفاته العليا‏.‏

الثالثة‏:‏ تحقيق عبادته بفعل ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه‏.‏

وكتبه ‏[‏الكتب‏:‏ جمع ‏(‏ كتاب ‏)‏ بمعنى ‏(‏ مكتوب ‏)‏‏.‏

والمراد بها هنا ‏:‏ الكتب التي أنزلها تعالى على رسله رحمة للخلق ، وهداية لهم ، ليصلوا بها إلى سعادتهم في الدنيا والآخرة‏.‏

والإيمان بالكتب يتضمن أربعة أمور‏:‏

الأول‏:‏ الإيمان بأن نزولها من عند الله حقاً‏.‏

الثاني‏:‏ الإيمان بما علمنا اسمه منها باسمه كالقرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، والتوراة التي أنزلت على موسى صلى الله عليه وسلم ، والإنجيل الذي أنزل على عيسى صلى الله عليه وسلم، والزبور الذي أوتيه داود صلى الله عليه وسلم وأما لم نعلم اسمه فتؤمن به إجمالاً‏.‏

الثالث‏:‏ تصديق ما صح من أخبارها ، كأخبار القرآن ، وأخبار مالم يبدل أو يحرف من الكتب السابقة‏.‏

الرابع‏:‏ العمل باحكام ما لم ينسخ منها ، والرضا والتسليم به سواء‏]‏‏.‏

وفيه أيضًا عنه قال‏:‏ قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏إذا كان يوم الجمعة على كل باب من أبواب المساجد الملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا (1)

وهذه النصوص صريحة في أن الملائكة أجسام لا قوى معنوية، كما قال الزائغون وعلى مقتضى هذه النصوص أجمع المسلمون‏.‏

ورسله ‏[‏الرسل‏:‏ جمع ‏(‏رسول‏)‏ بمعنى ‏(‏مرسل‏)‏ أي مبعوث ‏(‏بإبلاغ شيء‏)‏‏.‏

والمراد هنا‏:‏ من أوحى إليه من البشر بشرع وأمر بتبليغه‏.‏

وفي صحيح البخاري عن-أنس بن مالك- رضي الله عنه في حديث الشفاعة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏ذكر أن الناس يأتون إلى آدم ليشفع لهم فيعتذر، إليهم ويقول‏:‏ ائتوا نوحًا رسول بعثه الله - وذكر تمام الحديث‏.‏ ‏[‏أخرجه البخاري ، كتاب التوحيد ، باب ‏:‏ كلام الله مع الأنبياء يوم القيامة‏.‏ ومسلم‏]‏

فهمنا حكمته أم لم نفهمها، وجميع الكتب السابقة منسوخة بالقرآن العظيم قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ‏}‏ ‏[‏سورة المائدة، الآية‏:‏ 48‏]‏ أي ‏(‏حاكمًا عليه‏)‏ وعلى هذا فلا يجوز العمل بأي حكم من أحكام الكتب السابقة إلا ما صح منها وأقره القرآن‏.‏

والإيمان بالكتب يثمر ثمرات جليلة منها‏:‏

الأولى‏:‏ العلم بعناية الله تعالى بعباده حيث أنزل لكل قوم كتابًا يهديهم به‏.‏

الثانية‏:‏ العلم بحكمة الله تعالى في شرعه حيث شرع لكل قوم ما يناسب أحوالهم‏.‏ كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا‏}‏ ‏[‏سورة المائدة، الآية‏:‏ 48‏]‏‏.‏

وقال الله تعالى في محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏{‏مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ‏}‏ ‏[‏سورة الأحزاب، الآية‏:‏40‏]‏‏.‏

ولم تخلُ أمة من رسول يبعثه الله تعالى بشريعة مستقلة إلى قومه، أو نبي يوحى إليه بشريعة من قبله ليجددها، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ‏}‏ ‏[‏سورة النحل، الآية‏:‏ 36‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ‏}‏ ‏[‏سورة فاطر، الآية‏:‏ 24‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ‏}‏ ‏[‏سورة المائدة، الآية‏:‏ 44‏]‏‏.‏

والرسل بشر مخلوقون ليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء، قال الله تعالى عن نبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو سيد المرسلين وأعظمهم جاهًا عند الله‏:‏ ‏{‏قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الأعراف، الآية‏:‏ 188‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا‏}‏ ‏[‏سورة الجن، الآيتان‏:‏ 21-22‏]‏‏.‏

وتلحقهم خصائص البشرية من المرض، والموت، والحاجة إلى الطعام والشراب، وغير ذلك، قال الله الله تعالى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام في وصفه لربه تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ‏}‏ ‏[‏سورة الشعراء، الآيات79-81‏]‏‏.‏

وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني‏)‏ ‏[‏أخرجه البخاري ، كتاب القبلة ، باب‏:‏ التوجه نحو القبلة حيث كان‏.‏ ومسلم ، كتاب المساجد، باب ‏:‏ السهر في الصلاة والسجود له‏.‏‏]‏‏.‏

وقد وصفهم الله تعالى بالعبودية له في أعلى مقاماتهم، وفي سياق الثناء عليهم فقال تعالى في نوح ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا‏}‏ ‏[‏سورة الإسراء، الآية‏:‏3‏]‏ وقال في محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏{‏تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا‏}‏ ‏[‏سورة الفرقان الآية‏:‏ 1‏]‏‏.‏

وقال في إبراهيم، وإسحاق ويعقوب صلى الله عليهم وسلم‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الأَخْيَارِ‏}‏ ‏[‏سورة ص، الآيات‏:‏ 45-47‏]‏‏.‏ وقال في عيسى بن مريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏{‏إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ‏}‏ ‏[‏سورة الزخرف‏:‏ الآية‏:‏ 59‏]‏‏.‏

والإيمان بالرسل يتضمن أربعة أمور

الأول‏:‏ الإيمان بأن رسالتهم حق من الله تعالى

فمن كفر برسالة واحد منهم فقد كفر بالجميع‏.‏ كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ‏}‏ ‏[‏سورة الشعراء، الآية‏:‏ 105‏]‏ فجعلهم الله مكذبين لجميع الرسل مع أنه لم يكن رسول غيره حين كذبوه، وعلى هذا فالنصارى الذين كذبوا محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يتبعوه هم مكذبون للمسيح بن مريم غير متبعين له أيضًا، لا سيما وأنه قد بشرهم بمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا معنى لبشارتهم به إلا أنه رسول إليهم ينقذهم الله به من الضلالة، ويهديهم إلى صراط مستقيم‏.‏

الثاني‏:‏ الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه

مثل‏:‏ محمد وإبراهيم، وموسى، وعيسى ونوح عليهم الصلاة والسلام، وهؤلاء الخمسة هم أولو العزم من الرسل، وقد ذكرهم الله تعالى في موضعين من القرآن في سورة الأحزاب في قوله‏:‏ ‏{‏وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا‏}‏ ‏[‏سورة الأحزاب، الآية‏:‏ 7‏]‏‏.‏ وفي سورة الشورى في قوله‏:‏ ‏{‏شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ‏}‏ ‏[‏سورة الشورى‏:‏ آية‏:‏ 13‏]‏‏.‏

وأما من لم نعلم أسمه منهم فنؤمن به إجمالًا قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ‏}‏ ‏[‏سورة غافر، الآية‏:‏ 78‏]‏‏.‏

الثالث‏:‏ تصديق ما صح عنهم من أخبارهم

الرابع‏:‏ العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم

وهو خاتمهم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ المرسل إلى جميع الناس قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا‏}‏ ‏[‏سورة النساء، الآية‏:‏ 65‏]‏‏.‏

وللإيمان بالرسل ثمرات جليلة منها

الأولى‏:‏ العلم برحمه الله تعالى وعنايته بعباده

حيث أرسل إليهم الرسل ليهدوهم إلى صراط الله تعالى، ويبينوا لهم كيف يعبدون الله، لأن العقل البشري لا يستقل بمعرفة ذلك‏.‏

الثانية‏:‏ شكره تعالى على هذه النعمة الكبرى

الثالثة‏:‏ محبة الرسل عليهم الصلاة والسلام وتعظيمهم

والثناء عليهم بما يليق بهم، لأنهم رسل الله تعالى، ولأنهم قاموا بعبادته، وتبليغ رسالته، والنصح لعباده‏.‏

وقد كذب المعاندون رسلهم زاعمين أن رسل الله تعالى لا يكونون من البشر وقد ذكر الله تعالى هذا الزعم وأبطله بقوله‏:‏ ‏{‏وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولاً قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً‏}‏ ‏[‏سورة الإسراء، الآيتان‏:‏ 94-95‏]‏ فأبطل الله تعالى هذا الزعم بأنه لا بد أن يكون الرسول بشرًا لأنه مرسل إلى أهل الأرض، وهم بشر، ولوكان أهل الأرض ملائكة لنزل الله عليهم من السماء ملكًا رسولًا، ليكون مثلهم، وهكذا حكى الله تعالى عن المكذبين للرسل أنهم قالوا‏:‏ ‏{‏قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏[‏سورة إبراهيم، الآيتان‏:‏ 10-11‏]‏‏.‏

واليوم الآخر، (2)

والإيمان باليوم الآخر يتضمن ثلاثة أمور

الأول‏:‏ الإيمان بالبعث‏:‏ وهوإحياء الموتى حين ينفخ في الصور النفخة الثانية، فيقوم الناس لرب العالمين، حفاة غير منتعلين، عراة غير مستترين، غر لا غير مختتنين، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ‏}‏ ‏[‏سورة الأنبياء، الآية‏:‏ 104‏]‏‏.‏ والبعث‏:‏ حق ثابت دل عليه الكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ‏}‏ ‏[‏سورة المؤمنون، الآيتان‏:‏ 15-16‏]‏‏.‏

وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏يحشر الناس يوم القيامة غرلًا‏)‏ ‏[‏أخرجه البخاري ، كتاب الرفاق ، باب‏:‏ كيف الحشر‏.‏ ومسلم ، كتاب الجنة ، باب‏:‏ الدنيا وبيان المحشر يوم القيامة‏]‏ متفق عليه‏.‏

وأجمع المسلمون على ثبوته، وهومقتضى الحكمة حيث تقتضي أن يجعل الله تعالى لهذه الخليقة معادًا يجازيهم فيه على ما كلفهم به على ألسنة رسله قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ‏}‏ ‏[‏سورة المؤمنون، الآية‏:‏ 115‏]‏ وقال لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ‏}‏ ‏[‏سورة القصص، الآية‏:‏ 85‏]‏‏.‏

الثاني‏:‏ الإيمان بالحساب والجزاء‏:‏ يحاسب العبد على عمله، ويجازى عليه، وقد دل على ذلك الكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين، قال الله تعالى‏:‏

{‏إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ‏}‏ ‏[‏سورة الغاشية، الآيتان‏:‏ 25-26‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏سورة الأنعام، الآية‏:‏ 160‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ‏}‏ ‏[‏سورة الأنبياء، الآية‏:‏ 47‏]‏‏.‏

وعن ابن عمر رضي الله عنهما -أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ -قال‏:‏ ‏(‏إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول‏:‏ أتعرف ذنب كذا‏؟‏ أتعرف ذنب كذا‏؟‏ فيقول‏:‏ نعم أي رب حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى أنه قد هلك قال‏:‏ قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته، وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين‏)‏ ‏[‏متفق عليه‏]‏‏.‏

وصح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏أن من هم بحسنة فعملها، كتبها الله عنده عشر حسنا إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وأن من هم بسيئة ففعلها كتبها الله سيئة واحدة‏)‏ ‏[‏أخرجه البخاري ، كتاب الرقائق، باب‏:‏ من هم بحسنة أو سيئة ، ومسلم ، كتاب الإيمان، باب‏:‏ الإسراء بالنبي عليه الصلاة والسلام إلى السماوات‏.‏‏]‏‏.‏

وقد أجمع المسلمون على إثبات الحساب والجزاء على الأعمال، وهومقتضى الحكمة فإن الله تعالى أنزل الكتب، وأرسل الرسل، وفرض على العباد قبول ما جاءوا به، والعمل بما يجب العمل به منه، وأوجب قتال المعارضين له وأحل دماءهم، وذرياتهم، ونسائهم، وأموالهم‏.‏ فلولم يكن حساب، ولا جزاء لكان هذا من العبث الذي ينزه الرب الحكيم عنه، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله‏:‏ ‏{‏فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ‏}‏ ‏[‏سورة الأعراف، الآيتان‏:‏ 6-7‏]‏‏.‏

الثالث‏:‏ الإيمان بالجنة والنار، وأنهما المال الأبدي للخلق، فالجنة دار النعيم التي أعدها الله تعالى للمؤمنين المتقين، الذين آمنوا بما أوجب الله عليهم الإيمان به، وقاموا بطاعة الله ورسوله، مخلصين لله متبعين لرسوله‏.‏ فيها من أنواع النعيم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر‏)‏‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ‏}‏ ‏[‏سورة البينة، الآيتان‏:‏ 7-8‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏سورة السجدة، الآية‏:‏ 17‏]‏‏.‏

وأما النار فهي دار العذاب التي أعدها الله تعالى للكافرين الظالمين، الذين كفروا به وعصوا رسله، فيها من أنواع العذاب والنكال ما لا يخطر على البال قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا‏}‏ ‏[‏سورة الكهف، الآية‏:‏ 29‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لاَّ يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا‏}‏ ‏[‏سورة الأحزاب، الآيات‏:‏ 64-66‏]‏‏.‏